مجرد خاطرة


 
من اعمال الفنان التشكيلي عامر العبيدي .. العمل بعنوان ( الكرسي ) وهي من مقتنيات السيد أحمد قطيط.سوريا



بقلم بدور العبيدي
في سنوات قبل الحرب ، اذكر ان رجلا من أصول لاتينية يحمل الجنسية الفرنسية ويعمل بمنظمة الصحة العالمية وهو من جامعي الاعمال الفنية. عندما تعرف على والدي كان يزورنا كلما يأتي الى بغداد فيقتني بعض اعمالهِ الفنية حتى اصبح صديقاً لوالدي وللعائلة وبات يتفقدنا حتى عندما يكون في دولٍ أخرى.
وبعد الاحتلال ، انقطع الاتصال بيننا وبينه. ولكن بعد سنتين وتحديداً في عام 2005 أتصل وسأل أبي اذا كان ينوي ترك العراق فأنه مستعد للمساعدة متى ما شئنا. فرد عليهِ والدي قائلاً: انا لن اترك العراق. وبعدها في عام 2006 تعرضنا الى تفجير واستشهد أخي ، وبترت قدم أمي ومع ذلك كان والديّ يصرون على عدم مغادرة العراق.
وفي يوم من أيام الموت الطائفي وجحيم عملاء الاحتلال حيث اصبح القتل في منطقتنا شبه يومي . تفاجئنا، بوجود رصاصة على بوابة دارنا الكائن خلف مستشفى اليرموك في منطقة القادسية. ومن حينها قرر والدي ان يترك العراق لأن تلك الرصاصة كانت بمثابة انذار بالقتل!
فذهبنا الى سوريا في رحلةٍ دامت ثلاثين ساعة. يرافقنا الموت عبر الطريق الصحراوي الى الحدود السورية. ولكي لا اطيل مكثنا في سوريا لمدة عامٍ ونصف ومن بعدها قمنا بالهجرة الى اميركا. وطيلة مكوثنا في سوريا فقدنا الاتصال من جديد بصديقنا اللاتيني-الفرنسي.  وبعد عام من الوصول الى ولاية أيوا وباختصار لو وصفت لكم هذه الولاية فهي عبارة عن مستشفى كبير .. وبنفس الوقت مشافي هذه الولاية انهمك اطباؤها في علاج والدتي التي فقدت عينها اثر الحادث الإجرامي اللعين.
وفي سكينة احدى الليالي جاءنا نداء من فرنسا ، واذا بصديقنا اللاتيني يتصل ويخبرنا بأنه على صدد القدوم لأميركا كي يزورنا من بعد ذلك الانقطاع الطويل.. وهذا ما حصل بالفعل! حيث اعطيناه العنوان ووصل الى نيويورك ومن نيويورك اتصل بنا واخبرنا عن ساعة الوصول الى المطار. فاستقبله أبي وكنت انا ايضاً برفقتهِ حينها لاستقبال صديقنا الوفي.
 بعد ان وصلنا الى البيت ، القى السلام والتحية على أمي فسارعت انا لتقديم القهوة له وتفاجئت بفرحتهِ وقال لي بالحرف الواحد : " ان قهوتكِ يا بدور ممتازة مثلما كانت تعملها والدتكِ لي في بغداد. ولذلك انا أحبكم واهتم لأمركم، لأنكم عائلة طيبة وصافية النفس واعرف ان جوراً وظلماً كبير وقع لكم في زمن الاحتلال وماقبل الاحتلال واهتم بأعمال والدكِ لآني اعتبره فنان عراقي قليل التأثر بالمدارس الاوربية. حيث الكثير من الفنانين العراقيين ينسخون التجربة الألمانية والأمريكية وهذا لا يروقني شخصياً"
حين انتهينا من حديث مؤلم عن العراق والماسي التي المت بشعب العراق ،اقترح ابي بأن نتناول العشاء في مطعم لبناني تديره فتاة أمريكية وهي صديقتنا أيضا حيث اشترت بعض من اعمال ابي الفنية لدارها. كذلك في هذا المطعم كانت هناك ساعات مخصصة للرقص الشرقي. وفي تلك الليلة ، عندما وصلنا الى المطعم وتناولنا الطعام وكنا نستمتع بحركات الراقصة الامريكية في الرقص الشرقي. وحين انتهت من فقرتها الراقصة. جاءت الى طاولتنا وسلمت علينا عندما عرفت بأننا من العراق. كذلك قامت بإلقاء التحية على ضيفنا ، قام بدورهِ هو وسألها من أين انتِ؟ لأن ملامحك لا تبدو لي بأنك أمريكية. فأجابته وقالت انا من روسيا. فأندهش صديقنا وسألها قائلاً، " ان الشعب الروسي شعب عظيم، شعب تولستوي وغوركي وجيكوف وجايكوفسكي. فلماذا تحولت نسائه الى عاهرات وراقصات في مواخير ومطاعم العالم؟ وكانت اجابتها بالتالي: " ذلك بسبب سوء حكامنا!!".
وبعد ان انصرفت قال له والدي متسائلاً أيضا:
"أسألك انا مثلاً، نحن شعب عظيم. نحن اخترعنا الكتابة واخترعنا العجلة ولدينا ما نفتخر بهِ كشعب وكأمة. فلماذا تحول شعبنا الى قتلة ومجرمين وسراق وطائفيين وحاقدين وقتلة للمبدعين.. جواسيسٌ ومعاول للتهديم فأجاب صديقنا  بسخرية: (( ذلك لسوء حكامكم يا عامر! )) وتمهل قليلاً فسوف يأتيكم الاسوء وبالفعل ها نحن نشهد اليوم ما يجري في العراق ولايزال الكثير من المثقفين وادعياء المعرفة يحملون معاولهم لكي يكملوا مسيرة التهديم والتدمير تلك. وبعد الانتهاء من المطعم توجه ضيفنا الى المطار وعدنا الى دارنا نفكر بالعراق وحديث صديقنا اللاتيني الفرنسي.


Comments

  1. قصه مؤلمه من عشرات القصص التي ظهرت معد التحول الغريب الذي ساد المجتمع بعد الاحتلال ،

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

The Rising of the Moon By Lady Gregory: In Summary

The Rough Theatre

The Deadly Theatre