بلا مأوى- قراءة في لوحة الفنانة التشكيلية العراقية زينة مصطفى سليم




كتابة بدور العبيدي-أمريكا
بلا مأوى، هو العنوان الأمثل الذي اختارتهُ الفنانة التشكيلية العراقية والمغتربة في كندا ، زينة مصطفى سليم، لأحدى أعمالها المتميزة دون ادنى شك لهذا العام.

تجسيد لحالةِ شعبٍ يُرثى له. هجرة داخل وطن ممزق الاوصال ..مبعثر .. يميل الى السواد القاتم في كل شيء حتى في وضح النهار.. ابناؤه حتماً بلا مأوى بل حتى لا جدوى من بقائهم على قيد الحياة.

شخوصٌ واقفة مثقلة بحزنٍ عتيق يعود أصله الى مئات السنين. عهودٌ مضت تميزت بالضعف والهوان .. الطغيان والاضطهاد.. اقماع الشعب واسكاته بالاكراه كي يرضى بالأمر الواقع بعد ممارسة اقصى انواع الترهيب والتعنيف ضد الفرد العراقي الذي لا حول له ولا قوة. ولكن لما نرجع دائماً لذكر تاريخٍ غابر؟ بل ونتحسر كثيراً على ماضٍ سحيق كاد هو الاخر ان يقطعنا اوصالاً شتى لو كان واقعنا الأن لا بأس بهِ!

تلك الاجساد النحيلة ، وتلك الوجوه العابسة ، والالوان الضبابية التي تميل الى السواد والبؤس السرمدي الذي رافقنا منذ عصورٍ عدة ولكن تظهر تلك الشخصيات بألمٍ مميز لا مثيل له.. الشعور باللاشعور ربما؟ الجنون الحقيقي يكمن وراء تكهن حاضرٍ يسوده الكثير من الخراب والبشاعة المفرطة.. بل والاشد جنوناً من هذا ، هو اننا نخطط لمستقبلٍ مجهول تماماً. ولأنك عراقي حتماً ستقع في فخ المجهول والانتظار الطويل كي يكون باستطاعتك رؤية بصيص شعاع النور القادم من اي منطقة لا على التعيين.

الاحياء الاموات.. وكأنك ترى مصير عائلة كاملة مهددة بالانقراض.  وانت تسمع وربما ترى ولكن لا حول لك ولا قوة فليس باستطاعتك انقاذ مصيرهم لأن حياتك انت ايضاً على وشك ان تنقرض مثلهم عاجلاً ام اجلاً حيث ان لقدسية الألم والترقب على وجوههم الشاحبة المشبعة بالدموع وتراجيديا الصراع الهزلي مع فكرة الخلود تكمن وراء كل لونٍ منبثق بصورة مباشرة او غير مباشرة للمتلقي.

يتركونك في حيرةٍ من امرك ... لأن ثوب الفتاة الزهري في اللوحة، يدعو للتفاؤل على الرغم من حجم المأساة التي تحيطهم من جميع الزوايا.. والاصفر كذلك لا يقل شأناً عن الزهري .. لمساتٌ انسانية تنهل ربما من ذاكرة طفولتنا الخجولة لواقعٍ مرير تسودهُ اجواء من الغموض تارةً واجواء الأستبشار خيراً بأيام قادمة حتماً سيكون لها صدى واثر بالغ الاهمية في تغيير مستقبل كامل غير مقروء تارة اخرى. وخصوصاً الموسيقي المنضم الى هذه القافلة البشرية المتعددة الصفات والمعاني. عازف الجيلو يجعلك تتسأل مع نفسك هل هو يعزف كي يضفي على المشهد اجواء من الفرح والطمأنينة ولو لبعض الوقت؟ ام هو على اتم الاستعداد لعزف مقطوعة حزن على ارواح ضحايا ابرياء ماتوا .. وتناثرت اشلائهم في كل مكان مما جعل هذه الكتل البشرية واقفة اجلالاً لمجزرة شهدتها اعينهم ولم ينقل صورها او احداثها لهم أحد. او ربما بوقفتهم تلك كانوا على اشد استعداد للهرب نحو الموت او بر الأمان الذين حُرموا منه لمدةٍ وجيزة من الزمن؟

في النهاية ، كل تلك الاجساد باتت بلا مأوى فهم منتشرين بأماكنٍ متفرقة في صحراءٍ قاحلة او ارض كانت تعرف بخضرتها وجمال طبيعتها لكن وللاسف الشديد ليس في الوقت الراهن!




الفنانة التشكيلية العراقية-الكندية زينة مصطفى سليم





كلها تساؤلات وتكهنات ، جسدتها لنا الفنانة زينه مصطفى سليم وهي بعيدة عن وطنها لسنواتٍ معدودات .. ولكنها تُشعرك بمرارة الموقف كما لو كانت بالقرب منهم ، من موقع الحدث الممزوج بين غرابة الصورة وحجم تأثيرها على الأعين التي تدقق في عوالم الدهشة المعهود لها ضمن ايطار هذا العمل الذي يحاكي الواقع العراقي والجانب المظلم والمظلم جداً منه على وجه التحديد. 


تمت.

Comments

Popular posts from this blog

The Rising of the Moon By Lady Gregory: In Summary

The Rough Theatre

The Deadly Theatre